كان هناك اعمال شغب فى سحن " لمسيا" بمدينة "تيخوانا" بالمكسيك؛ حيث كان هناك ألفان و خمسمائة سجين يشعرون بالضجر مكتظين فى مجمع مبان يسع ستمائة نزيل , ويقومون بالقاء الزجاجات المكسورة على رجال الشطرة الذين اطلقوا نيران رشاشاتهم ردا على أعمال شغب هذه.
وفى ذروة هذا الصخب , ظهر على الساحة مشهد مفاجئ : سيدة دقيقة البنية بيلع طولها 170 سم فى السادسة و الثلاثين من عمرها ترتدى زيا محتشما و عفيفا و تمشى بتؤدة وسط هذه المعركة , مدت يديها بإيماءة بسيطة منها للتهدئة , ثم وقفت بثبات وأمرت الجميع بالتوقف عن هذا الصخب , متجاهله سيل من الرصاص و الزجاجات المتطايرة , ثم توقف الجميع بالفعل وعلى نحو غير مصدق.
وعلق "روبرت كاس" - سجين سابق و الآن يقضى فترة إعادة التأهيل - قائلا :"ليس هناك أحد فى العالم يستطيع القيام بذلك الإ السيدة الفاضلة " أنطونيا", المصلحة الاجتماعية التى غيرت حياة الآلاف من الناس".
وفى مدينة"تيخوانا" , حينما كانت تسير السيدة الفاضلة "أنطونيا" على طول رصيف المشاة . كان المرور يتوقف دوريا فى الشارع ؛ حيث ان كثيرا من الناس كانو يعتبيرونها بكل الحب رمزا للتقوى و الورع و الصلاح.
وعلى مدار ربع قرن مضى , عاشت السيدة الفاضلة " أنطونيا" باختيارها فى زنزانة طولها 10 أقدام بسجن "لميسا " متخلية عن سبل الرفاهية ومن حولها القتلة و السارقون وتجار المخدرات , ومع ذلك كانت تعتبرهم كلهم " أبناءها"؛ فكانت تهتم باحتياجاتهم على مدار اليوم , و كانت تحضر لهم أدوية المضادات الحيوية وتوزع النظارات الطبية عليهم و تقدم النصح و المشورة إلى من يفكرون فى الانتحار و تشرف على مراسم الجنازات , و تشرح- دون ادنى اشارة إلى شكاوى فى كلامها- قائلة:" إننى أعيش على افتراض أنه من الممكن يتعرض أى شخص لخطر ما فى منتصف الليل".
نشأت السيدة الفاضلة " انطونيا" -"مارى كلارك" - فى عالم بعيد عن الترف الذى كانت تنعم به ضواحى"بيفرلى هليز" , و كان والدها , و الذى قد نشأ نشأة بسيطة, يمتلك شركة ناجحة للوازم المكتبية , و أردفت متذكرة : "كان أبى يقول دائما إنه من السهل جدا أن تعانى إذا كنت ثريا" , وقال لها أيضا ان الفتاة التى تأتى من "بيفرلى هيلز|, ستظل من "بيفرلى هليز" دوما , و كانت تصدقه .
وعقبت قائلة :"كنت رومانسية , بل ومازالت- فإننى أنظر الى العالم مرتدية نظارة وردية" ونشأت "مارى كلارك" خلال فترة ازدهار مدينة"هوليوود"- حيث النجوم الكبار اللامعون- وخلال الحرب العالمية الثانية ايضا . كانت فتاة جميلة فى مراهقتها تقضى امسيات العطلات فى الحفلات ,تحلم بالمستقبل . و كانت احلامها تتضمن ارتباطها بزوج و انجاب الكثير من الابناء و العيش فى منزل يشبه تلك المنازل الموجودة فى الكتب المصورة .
وتحققت احلامها بالفعل , فبعد تخرجها من المدرسة الثانوية , تزوجت "مارى كلارك" و انجبت سبعة ابناء وقامت بتربيتهم فى منزل بمقاطعة "جريندا هليز" وبعد مرور خمس و عشرين عاما , انتهيت الزيجة بالطلاق , الأمر الذى ظل مصدرا للألم بالنسبة لها رافضة مناقشته و قالت :" لايعنى انتهاء الحلم انه لم يتحقق يوما ما . كل ما يهمنى الآن هو حياتى الثانية ".
و بعد انتهاء زواجها و نضوج ابنائها , الذين تجمعهم بها علاقة وطيدة , اتجهت "مارى كلارك" وبصورة مكثفة الى مساعدة من هم اقل حظا فى الحياة , فكانت معاناة الآخرين تؤثر عليها بشدة دوما و تقول " لم اكمل مشاهدة فليم "ماتنى اون ذا باونتى " نظرا لاننى لم اقو على رؤية عذابات الاخرين و هم موثقون ومكتوفو الأيدى" لقد حافظت "مارى" على استمرار عمل والدها على مدار سبعة عشر عاما بعد وفاته و لكن لم يكن لديها رغبة فى التوسع فى الأعمال التجارية و أشارت قائلة " تتطلب مكالمات العمل نفس مقدار الطاقة المبذولة لاجراء مكالمات للحصول على أسرة على سيبل التبرع للمستشفيات فى "بيرو" حيث يأتى عليك وقت لاتستطيع ان تلعب فيه دور المشاهد فقط بل عليك ان تتعدى الخطوط"
وبالنسبة لها , اخدت خطوات واسعة فى مشوارها وفى منتصف الستينات بدات فى السفر عبر الحدود المكسيكية مع قوافل الخير لتوزيع الأدوية و المؤن الغذائية على الفقراء وقد صرحت ذات مرة قائلة " فى ذلك الوقت كان كل من اعرفهم من ابناء المكسيك يعملون فى رعاية الحدائق و البساتين" والآن تجد نفسها تنخرط وسط جميع انواع البشر و تندمج معهم بشدة.
و هكذا بدأت حياتها الثانية عندما ضلت هى و رجل الدين المشرف على قافلة الخير طريقهما الى مدينة "تيخوانا" وحينما كانا يبحثان عن السجن المحلى انتهى الأمر بهما الى سجن "لمسيا" بطريق الخطأ وقد تأثرت على الفور بما رأته " ففى المستشفى كان الرجال يعانون من المرض الشديد و مع ذلك يقفون لك حينما تدخل عليهم" و سريعا ما فضت الليالى هناك تنام على سرير غير مريح فى عنبر السيدات و تتعلم اللغة الاسبانية وتساعد النزلاء واسرهم بكل السبل.
و فى عام 1977 اصبحت "مارى كلارك" مصلحة اجتماعية عرفت باسم السيدة الفاضلة "انطونيا" وذلك اقتناعا منها انها اهتدت الى الهدف الحقيقى الذى اراده الله عز وجل لحياتها و الصبح سجن "لمسيا" هو بيتها الدائم و المكان الذى اختارته لقضاء الاعياد فيه و تقول "نورين ولاش باجين " اخدى صديقاتها " ان اولادها يتفهمون اولوياتها فهم يدركون انها اهتمت بهم و الآن حان الوقت لتهتم بالآخرين"
ويقول"كاس" سجين سابق و الذى اطلق على ابنتة حديثة الولادة اسم " انطونيا" تيمنا باسم هذه السيدة الفاضلة " لا اعرف كيف يستطيع الآخرون مواكبتها فهى دوما عجلة من أمرها و مع ذلك فلديها متسع من الوقت لك هكذا فان حب الآخرين لها لم يأت من فراغ"
وتقول السيدة الفاضلة "انطونيا" ان الحب هو كل ما لديها لتمنحه للآخرين و تضيف قائلة " انا انكر الجريمة بشدة ولكنى لا اقسو على الجانى وفى هذا الصباح كنت أتحدث لتوى الى شاب فى التاسعة عشرة من عمره قام بسرقة سيارة سألتة عما ان كان لدية فكرة عما تعنية السيارة بالنسبة لأسرة ما وكم تستغرق من الوقت ليكون لديها واحدة" و أردفت قائلة" اننى احبك ولكنى لا اتعاطف معك هل انت مرتبط؟ اذن ربما خطف احدهم حبيبتك فى اثناء تأدية عقوبتك هنا " ثم ربتت على كتفيه فهى دوما ما تربت على اكتاف الاخرين بمن فيهم حراس السجن الذين توجههم و تقدم اليهم النصح و الارشادات.
ولسنوات كانت السيدة الفاضلة " انطونيا" تجوب حول مدينة "تيخوانا" بسيارة اجرة مطليلة باللون الازرق الغامق و تحكى وهى مقهقه قائلة " وفى احد الأيام ركبت سيارة الشرطة وتبادر الى ذهنى تفكير فى الحال و قلت حمدا لله فاننى احب رجال الشرطة و هم يحبوننى مع العلم ان هذا يتعتبر رد فعل غير تقليدى بالمرة"
ونظرا لكونها متحدثة لبقة فقد اجتذبت مجموعة من يقدمون الدعم و الاسهام فى كل صوره ابتداء من حشية الفراش الى الادوية و الامول فعلى سبيل المثال قد طيب اسنان الافا من الاسنان الصناعية للسجناء الذين لم يروا فى حياتهم فرش اسنان من الاصل " عليك ان تتحلى بالقدرة على الابتسام حتى تستطيع انجاز عملك" قالتها السيدة الفاضلة " انطونيا" فى ايجاز واضافت انها اكثر شخص محظوظ على كوكب الكرة الارضية صرحت " انطونيا" تعقيبا على تجربتها " اننى اعيش فى السجن ولكنى لم اعان ولوليوم واحد من الاكتئاب خلال 27 عام ولم افقد الامل ولم اشعر قط انه ليس هناك ما يمكننى الاستعانة بة لانجاز الاشياء على نجو افضل"
المعزى وراء رسالة السيدة الفاضلة " انطونيا" هو ليس من الضرورى ان يهحر المرء بلده وبيته او طريقة حياته للقيام باسهام و انجاز فى الحياة هكذا سيواجه كل انسان منا- بغض النظر عن عمره او مكانته - فترات من عمره يجب عليه فيها ان يختار بين الاقدام واحداث اختلاف و تغيير او الجلوس فى المؤخرة كـ "مشاهد" فحسب
لقد اختارت السيدة الفاضلة " انطونيا" ان تترك مقعد المشاهد لتشترك فى حياة زاحرة بالمعانى الجملية و لتؤدى دورها " لانجاز الاشياء على نحو افضل"
من كتاب " نجاحات يومية عظيمة" اتسفن آر كوفى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق